ما بين معترك الأحداق والمهج - ابن الفارض

فصيد القصيد Faseed AlQaseed

Nov 12 2022 • 18 mins

مـا بَيْـنَ مُعْتَـركِ الأحـداقِ والمُهَـجِ أنــا القَتِيــلُ بلا إثــمٍ ولا حَـرَجِ
ودّعـتُ قبـل الهـوى روحي لما نَظَرْتَ عينـايَ مِـنْ حُسْنِ ذاك المنظرِ البَهجِ
للَّــهِ أجفــانُ عَيــنٍ فيـكَ سـاهِرةٍ شــوقاً إليـكَ وقلـبٌ بـالغَرامِ شـَجِ
وأضـــلُعٌ نَحِلَــتْ كــادتْ تُقَوِّمُهــا مـن الجـوى كبِـدي الحرّا من العِوَجِ
وأدمُــعٌ هَمَلَــتْ لـولا التنفّـس مِـن نـارِ الهَوى لم أكدْ أنجو من اللُّجَجِ
وحَبّــذَا فيــكَ أسـْقامٌ خَفيـتَ بهـا عنّـي تقـومُ بهـا عنـد الهوى حُجَجي
أصـبَحتُ فيـكَ كمـا أمسـيَتُ مكْتَئِبـاً ولـم أقُـلْ جَزَعـاً يـا أزمَةُ انفَرجي
أهْفُـو إلـى كـلّ قَلْـبٍ بـالغرام لهُ شــُغْلٌ وكُــلِّ لســانٍ بـالهوى لَهِـجِ
وكُــلِّ ســَمعٍ عـن اللاحـي بـه صـَمَمٌ وكـلِّ جَفـنٍ إلـى الإِغفـاء لـم يَعُـجِ
لا كــانَ وَجْــدٌ بِـه الآمـاقُ جامـدةٌ ولا غــرامٌ بــه الأشـواقُ لـم تَهِـجِ
عـذّب بمـا شئتَ غيرَ البُعدِ عنكَ تجدْ أوفــى محِــبّ بمـا يُرضـيكَ مُبْتَهـجِ
وخُــذْ بقيّـةَ مـا أبقَيـتَ مـن رمَـقٍ لا خيرَ في الحبّ إن أبقى على المُهجِ
مَـن لـي بـإتلاف روحـي في هوَى رَشَإٍ حُلْــوِ الشــمائل بـالأرواحِ مُمتَـزِجِ
مَـن مـاتَ فيـه غَرامـاً عاشَ مُرْتَقِياً مـا بينَ أهلِ الهوَى في أرفع الدّرَجِ
مُحَجَّــبٌ لــو سـَرى فـي مِثـلِ طُرَّتِـهِ أغنَتْــهُ غُرّتُـهُ الغَـرّا عـن السـُّرُجِ
وإن ضــَلِلْتُ بلَيْــلٍ مــن ذوائِبــهِ أهـدى لعينـي الهدى صُبحٌ من البَلجِ
وإن تنَفّــس قــال المِسـْكُ مُعْترفـاً لعــارفي طِيبِــه مِـن نَشـْرِهِ أَرَجـي
أعـوامُ إقبـالِهِ كـاليَّومِ فـي قِصـَرٍ ويـومُ إعراضـِه فـي الطّـول كالحِججِ
فـإن نـأى سائراً يا مُهجَتي ارتحلي وإن دَنـا زائراً يـا مُقلتي ابتهِجي
قُــل للّــذي لامنــي فيـه وعنّفَنـي دعنـي وشـأني وعُـد عن نُصْحك السمِجِ
فـاللّوْمُ لـؤمٌ ولـم يُمْـدَحْ بِـهِ أحَدٌ وهــل رأيـتَ مُحِبّـاً بـالغرام هُجـي
يـا سـاكِنَ القلبِ لا تنظُرْ إلى سكَني وارْبَـحْ فـؤادك واحـذَرْ فتنةَ الدّعجِ
يـا صـاحبي وأنا البَرّ الرّؤوفُ وقد بــذَلْتُ نُصـْحِي بـذاكَ الحـيّ لا تَعُـجِ
فيــه خَلَعْــتُ عِـذَاري واطّرَحْـتُ بِـهِ قَبـولَ نُسـْكيَ والمقبـولَ مـن حِججـي
وابيَــضّ وجــهُ غَرامـي فـي محَبّتِـهِ واســْوَدّ وجْـهُ ملامـي فيـه بالحُجَـجِ
تبــارَكَ اللَّـهُ مـا أحلـى شـمائلَهُ فكـمْ أمـاتَتْ وأحْيَـتْ فيـه مـن مُهَجِ
يهـوي لـذِكْرِ اسـمه مَنْ لَجّ في عَذَلِي سـَمعي وإن كـان عَـذلي فيه لم يَلِجِ
وأرحَـمُ الـبرْقَ فـي مَسـراهُ مُنْتَسِباً لثَغْــرِهِ وهــوَ مُسـْتَحيٍ مـن الفلَـجِ
تــراهُ إن غــابَ عنّـي كُـلُّ جارحـةٍ فــي كــلّ مَعنـى لطيـفٍ رائقٍ بَهـجِ
في نغْمَةِ العودِ والنّايِ الرّخيم إذا تَألّقــا بيــنَ ألحـانٍ مـن الهَـزَجِ
وفــي مَسـَارحِ غِـزْلاَنِ الخمـائلِ فـي بَـرْدِ الأصـائلِ والإِصـباحِ فـي البلَجِ
وفـي مَسـاقط أنْـداء الغَمـامِ علـى بِســاط نور مـن الأَزهـارِ مُنْتَسـِجِ
وفــي مسـاحِب أذيـالِ النّسـيم إذا أهْــدى إلــيّ ســُحَيْراً أطيَـبَ الأرَجِ
وفـي التِثـاميَ ثَغْـرَ الكاسِ مُرْتَشِفَاً ريــقَ المُدامـة فـي مُسـْتَنْزَهٍ فَـرِجِ
لـم أدرِ مـا غُرْبَةُ الأوطان وهو معي وخــاطري أيــن كنّـا غيـرُ مُنْزَعِـجِ
فالــدّارُ داري وحُبّـي حاضـرٌ ومـتى بــدا فمُنْعَــرَجُ الجرعـاء مُنْعَرَجـي
ليَهْـنَ رَكْـبٌ سـَرَوا ليلاً وأنـتَ بهـم بســَيرِهم فــي صـباحٍ منـكَ مُنْبَلِـجِ
فلْيَصـْنَع الرّكْـبُ ما شاؤوا بأنفسهِم هـم أهـلُ بـدرٍ فلا يخشـونَ مـن حرَجِ
بحَــقّ عِصـيانيَ اللّاحـي عليـك ومـا بأضــلُعي طاعــةً للوَجْـدِ مـن وهَـجِ
انْظُـر إلـى كبِـدٍ ذابـت عليـكَ جَوىً ومُقْلَـةٍ مـن نجيـعِ الـدّمع فـي لُجَجِ
وارحَــمْ تَعَثُّــرَ آمــالي ومُرْتَجَعـي إلـى خِـداعِ تَمَنّـي الوَعْـدِ بـالفرَجِ
واعْطِـفْ علـى ذُلّ أطمـاعي بهَلْ وعسى وامنُـنْ علـيّ بشـرْح الصـدر من حرَجِ
أهلاً بمــا لــم أكُـنْ أهْلاً لمَـوقِعِه قَـوْلِ المُبَشـِّرِ بعـد اليـأس بالفرَجِ
لـكَ البِشـارةُ فـاخْلَعْ ما عليكَ فقد ذُكِـرْتَ ثَـمّ علـى مـا فيـكَ مِـنْ عِوَجِ

مختارات شعرية عربية مع الشرح